القصر (قصة قصيرة) جريدة الصباح الاخبارية

القصر (قصة قصيرة) جريدة الصباح الاخبارية

كتبها: منتظر نعمة

اِنْتابَني شعور بالرِيْبة فور دخولي الى القصر كنتُ اتساءل ما الذي انشدهُ من هذا المكان وما الذي ينتظرني فيه . باستحكام فتحتُ باب القصر الخشبي الكبير وشرعتُ بالدخول. لم يكن يبدو كما في الخارج فداخلهُ مهمل تَرب ، وبالرغم من ذالك فقد طغى سحر المكان على اهماله فجعلني انجذب اليه واندفع للداخل بخطوات واثقة. شعرت انها لم تكن المرة الاولى لي هنا فقد بدى المكان مالوفاً.

فزعتُ لسماع خطوات اقدام خلفي فلتففت مسرعاً حتى اوشكت رقبتي ان تنكسر

رأيت رجلاً كهلاً بهندام انيق ومرتب حياني دونما ابتسامة ودعاني الى الجلوس واخبرني

– ان الاستاذ سيكون معك في غضون دقائق لكن لا تطيل فهو متعب حضر اوراقك وما تود ان تساله من الان.

بِإيماءة وافقته على كل ما قالة فنصرف مسرعاً . بدى انهُ مشغول رغم هدوء وخلاء المكان.

كنتُ اجلسُ على اريكة خشبية وامامي طاولة كبيرة يعلوني سلم ضخم ملتف ينتهي الى اعتاب الطابق الثاني.

على الرغم من الغموض والريبة التي اعتلتني الا ان الزهو كان يملؤني لاني اجلسُ في مكانً فخمً كهذا . لطالما احببت المباني القديمة فهي الشيء الوحيد الذي يخبرني بان الانسان يمكن ان يُخّلد فيتركُ جزءاً منهُ في الحياة حتى بعد مفارقته لها. لم تطل فترة انتظاري حتى سمعت خطوات اقدام تنزل السلم . كان رجلاً نحيفاً يرتدي بدلة داكنة وقميص اغلق كل ازراره ونظارات داكنة لم تسمح لي برؤية عينيه ويحمل في يده كتاب ضمه الى صدره.

وقفت بحركة لا ارادية وحملت الاوراق بيدي وتقدمت نحوه فستقبلني بوجه بشوش وابتسامة ابوية دافئة صافحني وبصوت جهوري قال

-اهلاً بك ايها الشاب تفضل بالجلوس رجاءاً

جلست فجلس بجواري وقال بابتسامة

– ارني ما كتبت اليوم

تناول الاوراق من يدي وبعناية قربهم الى وجهه وانغرق بقراءتهم وتفحصهم ..

لم ادركُ ما يدور هنا من هذا الرجل الذي اجلسُ بجواره ولما انا مبتهجً هكذا هل فعلاً انا من كتبت ما في هذه الاوراق ..؟!

من ذا عساه سيصدقني لو اخبرته بما حدث وبمن قابلت في هذا القصر.

بعد ان فرغ من قراءتهم وضعهم بعناية على الطاولة وبهدوء وابتسامة خجولة قال :

– أكتب ما تريده لا ما يريده الناس ، اذا اردت ان تكون كاتباً فيجب ان تكون اكثر شجاعة من هذا . اكتب يا بني ما تشعره وستجد انك تكتب الحقيقة.

لم يعنيني ما قاله فوافقتهُ على جميع نصائحه.

فاردف

– والان هل تريد ان تسالني عن شيءً اخر ؟

بابتسامة تهكمية اجبتهُ

-انه الوقت المناسب لأسل احدهم ،فاليوم مليء بالغرابة وانت اخبرتني لتوك ان يجب ان اقول كل ما اشعر به.

– بالتاكيد

– انا في الواقع لا اعلم ، من الذي جاء بي الى هنا ، ولماذا دخلت الى هذا القصر ، لا اعرف ما يدور هنا وهل انا فعلاً من كتبتُ هذا الكلام ..؟؟ لكن دعك من هذه الاسئلة واجبني على السؤال الاهم

من انت …. ؟؟

بنوع من الابتسامة والرزانة والدقة في التعبير قال لي

– انا الشخص الذي هبط من السلم الكبير هذا ليقابلك ويُقيّم كتاباتك.

بتهكم قلت له

– ولكن بالطبع لن تكون هذا الشخص مع زوجتك او اصدقائك او والديك ..

– بالتاكيد

سَكتّ لثواني ظناً مني بانه سيكمل كلامه لكنه اكتفى بهذه الكلمة فقط . فاردفت

– ايعني ان الاخرون هم من يحددون من نكون ،فُنكّون صورة لأنفسنا بما يراه الناس من قِبلنا .؟

– ممكن ، لكن تعلم يا بني ان كل استنتاج قابل للنقاش والتغيير ،لا يوجد مطلقات كل المعارف نسبية .

اعدل جلستهُ واضاف

– انظر يا بني انت تائِه وتبحث عن الحقيقة وهذا شيء جيد….

فقاطعت كلامه بسؤال

– هل نحن في حلم …..؟ هل هذا المكان حقيقي ؟

اطرق راسه وسكت لبضع ثواني ثم نظر الي وقال

– كيف تفرق بين الحلم والحقيقة ؟؟

– في الحقيقة انت تشعر بكل ما حولك واظن ان في الحلم لا ….

ثم سكتّ قليلاً لتدقيق ما قلته فاضفت او ربما يقبل هذا الاستنتاج النقاش.

– لكن دعنا ناخذُ باستنتاجك فكيف تعرف انك كنت في حلم ..؟

– بالتاكيد عندما استيقظ

– وطالما انت في الحلم فانت تتعاطى وتتفاعل مع من هناك

– بالتاكيد هذا صحيح

– اذا فلن يضرك اذا كان حلماً ام لا ، وعليك ان تنتظر لتستيقظ فتعرف الحقيقة .

-ربما كان هناك شخص اوجدنا هنا ورتب كل هذا .. لكن لماذا، ما الغاية من فعله هذا ؟؟

– كل شيء له غاية فاذا سالتك عن هذا الطاولة من اين جاءت ربما لن يكون لديك جواب دقيق , معمل نجارة ، محل بسيط ، محلية الصنع او مستوردة. لكن ستكون متيقناً ان من صنعها هو نجار، فوجدت هنا ولولاها لما وجدنا مكان نضع عليه اوراقك وكتابي.

– يبدو هذا جواب وافيً يا استاذ ولكن هل انا من اخترت المجيء هنا بأرادتي …؟؟

– ماذا تعتقد انت ؟

– شعر انه لم تكن هناك مفاضلة بين اختيارين.

– لكنك من دخلت وجلست وتحدثت معي ، لا من رتب هذه المقابلة وتذكر انه مجرد نقاش واستنتاج ان لا املي عليك حقائق .

نظر الى الساعة في معصم يده وقال بصوت هادئ

– لقد حان موعد نومي ، كان من دواعي سروري مقابلتك .

نهض واغلق زر سترته وصافحني بابتسامة ثم سار الى السلم بخطوات واثقة .

وسرعان ما توارى مثلما تتوارى الغيوم في يومً مشمس.

…إنتهت…

بقلم الكاتب: منتظر عبدالرحيم نعمة / العراق.