مع تقدّم الزمن والتطورات الهائلة التي يشهدها العالم وخصوصاً في مجال التكنولوجيا، أصبحَ الإنترنت شبكة معلوماتية هائلة تصل العالم بأكمله متجاوزاً المسافات وبانتشاره وكثرة استخدامه انتشرَ معهُ مفهوم الزواج عن طريق الإنترنت.
فيتم استخدام الشبكة لأغراض التعارف والزواج التي غزت المجتمع الغربي أوّلاً ثمَّ وصلت إلى مجتمعنا العربي بقوّة ، حيثُ تدلّ معظم الإحصائيات على تنامي هذه الظاهرة وشيوعها بين مختلف أوساط الشباب الذين يبحثون عن التعارف بقصد الزواج ، فوجدوا أنَّ 17٪ من الزيجات تبدأ من خلال التعارف على الإنترنت وهذه النسبة في تزايد عام بعدَ عام.
ولكن مهلاً، ما أسباب استخدام هذه الطريقة في الزواج؟ وهل يمكن ضمان نتائجها؟ وماهي سلبياتها؟ وماهي آراء مستخدميها؟
هذا ما سنتعرف إليه في هذا المقال بشكل مفصّل وواضح مع تجارب واقعية وإحصائيات مثبتة، أوّلاً لنذكر:
أسباب اللجوء إلى الزواج عن طريق الإنترنت
- عدم التمكن من إيجاد الشخص المناسب في البيئة المحيطة بالفرد، فيلجأ لاستخدام مواقع التواصل أو إحدى مواقع التعارف لتعدد الخيارات وسهولة الوصول إلى الطرف الآخر، حيثُ أكّدت الدراسات أنَّ 38٪ من غير المتزوجين يبحثون عن شريك حياتهم باستخدام مواقع الزواج.
- يتيح الفرصة للتكلم بحرية من دون خجل ومن دون قيود وهذا مايناسب الشخص الخجول والذي لديه مشكلة في التواصل مع الآخرين بالمواجهة ، فيكون التحدث من خلف الشاشة حلّاً لهُ.
- التقدم بالعمر من دون إيجاد شريك الحياة وخصوصاً عند الإناث فيخافون من العنوسة التي ارتفعت نسبتها مؤخراً فبلغت 85٪ في بعض الدول العربية.
- سيطرة التكنولوجيا واستخدامها المتزايد في السنوات الأخيرة يدفع الشباب إلى استخدامها في عدة أمور ومنها البحث عن شريك الحياة ومحاولة بناء الأسرة بطريقة غير تقليدية وحديثة ظنّاً منهم بأنّها طريقة فعّالة وناجحة.
- رؤية نماذج ناجحة من علاقات الزواج عبر الإنترنت تقود إلى تشجيع الشخص على التجريب ، فأكثر من 17٪ من حالات الزواج بدأت من خلال المواعدة عن طريق الإنترنت.
- حلّ للمغتربين الذين اضطروا لترك بلادهم والعمل في الغربة لتأمين احتياجاتهم، فيجدون بيئة مختلفة عنهم وغير ملائمة لإيجاد الشخص المناسب الذي يشبه عاداتهم وتقاليدهم ، فيكون الإنترنت هو الحل لهم.
سلبيات الزواج عبر الإنترنت.
بعد ذكر بعض أسباب استخدام الإنترنت بغرض الزواج سيجول في تفكيرنا هل فعلاً يكون فعّال وناجح ويستمر كما الزواج التقليدي؟ بالطبع زواج الإنترنت يمكن أن يقود إلى حياة زوجية جميلة ومتوازنة ، ولكن بنفس الوقت يمكن أن يخلق العديد من المشاكل وينتهي بالانفصال.
فهذه الطريقة لها حدّين إمّا أن تنجح أو أن تخيب ، وبحسب الإحصائيات حول معدلات الانفصال لدى الأشخاص الذين تزوجوا عن طريق الإنترنت وجدوا أنّها تبلغ 5.69٪ مقابل 7.67٪ عبر الوسائل الأخرى، وفيما يلي نذكر بعض سلبيات الزواج عبر الإنترنت:
- يبقى الإنترنت عالم وهمي تنعدم فيه المصداقية، فيسعى كل طرف إلى إبراز محاسنه وهذا يؤدي إلى الصدمة على الواقع سواء من ناحية التفكير أو الشكل أو حتى المعلومات الشخصية، ويوجد إحصائية تؤكد هذا الكلام حيث وجدت أنّ 82٪ من الناس تكذب عند محاولتهم التعرف على شركاء لحياتهم عبر الإنترنت.
- مشاكل مع الأهل وعدم موافقتهم على هذه الطريقة وذلك بسبب العادات والتقاليد، فيجدون أنّها مضيعة للوقت ولا تودي بنتيجة.
- الانفصال وعدم القدرة على التفاهم بين الطرفين لاعتقادهم بأنّ التواصل عبر الإنترنت كافي من خلال المحادثات المستمرة والزواج بعد وقت قصير من اللقاء ولكن الحقيقة تكون غير ذلك، فأثبتت دراسة أُجريت على 2000 شخص متزوج أنَّ الأزواج الذين التقوا عبر الإنترنت كانوا معرضين لخطر الطلاق بنسبة 12٪ في السنوات الثلاثة الأولى مقارنةً بنسبة 2٪ لأولئك الذين التقوا من خلال العلاقات الاجتماعية.
- عدم الجدّية والتسلية وإضاعة الوقت، فربما يكون الطرف الآخر هدفه التسلية والمتعة ولا يفكر بالزواج والارتباط.
قصص واقعية.
مع وجود هذه المخاطر للزواج عبر الإنترنت يجب أخذ الحيطة والانتباه عند استخدامه كوسيلة للتعارف وحتى عند استخدام إحدى مواقع التعارف يجب التحري عنها جيداً والاطلاع على تجارب الناس وآرائها فيها.
وفي هذا السياق سنورد آراء وتجارب بعض الأشخاص الذين استخدموا الإنترنت كوسيلة للتعارف والزواج:
- علياء 35 سنة تروي قصة زواجها: مع تقدّمي في السن وعدم إيجاد الشخص المناسب لجأتُ إلى الإنترنت وتعرّفتُ إلى شاب فاجأني بأنّهُ ينتمي إلى نفس الحي في مدينتي الساحلية ، لكنّه يعيش في أوروبا منذُ عشرين سنة ويكبرني قليلاً و يبحث عن شريكة لحياته من بلده، تمَّ كل شيء سريعاً قدمَ في أول إجازة للقاء أهلي وتمَّ زفافنا ، فتحولت وحدتي إلى زواج وسرور.
- أحمد شاب 20 سنة من الإمارات تعرّف على فتاة من مصر عبر الإنترنت ذات أخلاق وشخصية محترمة، مع التكلم المتواصل اعتادوا على بعضهم ، يقول أحمد: تجدني إنساناً طيباً، بعد تردد وحيرة تشجعت وتجرأت وأخبرتها أنني أنوي التقدم لها بعد الجامعة ولم ترفض ، بالفعل كانت نيتي صادقة جدّاً وأريدها زوجة المستقبل ولكن الذي يوترني كثيراً ما أسمعه من روايات عن تجارب فاشلة للزواج عبر الانترنت ، ولكنني مؤمن بأنَّ نجاح الزواج يعتمد على الطرفين وليس على الطريقة التي تزوجوا بها.
- وائل شاب سوري يعيش في لبنان يقول: رأيت مرة صورة فتاة على فيسبوك أعجبني شكلها وأعطتني صفحتها الشخصية لمحة مختصرة عن طريقة تفكيرها وتعارفنا، بعد نحو عامين من المحادثات والمكالمات وصلنا إلى مرحلة لا يمكن تجاوزها ، إنّها مرحلة أصبح فيها اللقاء على أرض الواقع أمراً ضرورياً ، وبالفعل تعرفنا على بعضنا وفهمنا شخصية بعضنا واهتماماتنا ثمَّ بعد عدة أشهر تزوجنا ولدينا طفل الآن.
- ميادة فتاة تبلغ 28 سنة : بعد مرور ثلاثة أشهر على التعارف الإلكتروني وشهر على اللقاء الفعلي تزوّجا وأنجبت طفلة ثمّ تطلقا ، تقول أنّهُ تغيرَ كثيراً بعد الزواج فكلامه كان معسولاً عبر الإنترنت ولكن في الواقع لم يكن رومانسياً واتّضح أنّهُ كان غير مسؤول واتكالي لدرجة أنّها اضطرت منذ حملها إلى الاهتمام بمصاريف المنزل والابنة ، وتقول إنّهُ بعد التواصل على الإنترنت فإنّ العلاقة الواقعية هي التي يجب ان تحسم الأمور والنقاش والتواصل للتأكد قبل الارتباط أن كل ماقيل حقيقي.
الخلاصة.
من خلال ماسبق نصل إلى خلاصة أنَّ استخدام الإنترنت كوسيلة للزواج في عالمنا العربي بقدر ما يحمله من مخاطر وتحديات بقدر ما يمكن أن يكون ناجح ويقود إلى حياة زوجية مثالية ، ولكن هذا يعتمد على الوعي بشكل أساسي واستخدام العقل والمنطق وعدم التسرع والعجلة في اتخاذ قرار كهذا.
كما يجب دائماً الاطلاع على تجارب الناس وآرائهم وخصوصاً فيما يتعلق باستخدام المواقع لعدم الوقوع في مشاكل ومضايقات ، والتنعم بحياة جميلة مع شريك محترم وذو أخلاق حسنة.