-

علم الكونيات الديكارتية والفيزياء الفلكية, الوجه الآخر للفيلسوف رينيه

(اخر تعديل 2024-09-09 11:26:08 )

بينما اشتهر رينيه ديكارت (1596–1650) بأنه أحد مؤسسي الفلسفة الحديثة, فإن دوره المؤثر في تطوير الفيزياء الحديثة كان, حتى النصف الأخير من القرن العشرين, لا يحظى بالتقدير الكافي ولا يخضع للتحقيق من قبل كل من المؤرخين وفلاسفة العلم, فكيف ساهم ديكارت في علوم الفضاء؟

لم يقدم ديكارت أول صياغة حديثة مميزة لقوانين الطبيعة ومبدأ الحفاظ على الحركة فحسب. بل قام أيضاً ببناء ما سيصبح النظرية الأكثر شيوعاً لحركة الكواكب في أواخر القرن السابع عشر (وهذا ما سنتطرق إلية في هذه المقالة).

كما لاحظ مؤرخ العلوم المشهور كليفورد ترويسديل، “إن فيزياء ديكارت هي بداية النظرية بالمعنى الحديث”. ومع ذلك, بالنسبة لجميع الجوانب الاستشرافية, والتي تبدو حديثة لفيزياء ديكارت, تحمل العديد من فرضيات ديكارت الفيزيائية صلة وثيقة بالعلم المتأثر بالأرسطو في أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة المدرسية.

هذا المزيج الفريد لكل من المفاهيم القديمة والجديدة للعالم المادي قد يكون مسؤولاً عن الإحياء الحالي للاهتمام الأكاديمي بفيزياء ديكارت.

التصور الديكارتي لحركة الأفلاك السماوية.

نظرية الدوامات الديكارتية.

أنطلق ديكارت في رحلته الفيزيائية من فكره الفلسفي الخاصة به (يجب أن نرفض السلطة القديمة وننغمس في حرية تفكيرنا. وبالتالي فإن التفكير, وليس التجربة, هو المصدر الوحيد للحقيقة: “سأشرح النتائج من خلال أسبابها, وليس الأسباب من خلال نتائجها”.

سيطبق ديكارت مبدأه – فكر, لا تلاحظ – لإنشاء نظام عالمي جديد ومبتكر جذرياً, والذي سيكون “الفيزياء” المهيمنة التي يتم تدريسها في الكتب المدرسية لسنوات, تقريباً إلى منتصف القرن الثامن عشر.

كان لدى ديكارت فكرة راديكالية للغاية عن المادة والفضاء, منها قام باستنتاج فكرة الدوامات. في فلسفته, لا يمكن أن يوجد الفضاء والمادة بدون بعضهما البعض, فلا يمكن أن يكون هناك مساحة بدون مادة (لا فراغ).

وهكذا, حسب ديكارت, إذا كانت المزهرية خالية من الماء, فهي مليئة بالهواء. وإذا كانت خالية من أي مادة, فإن جدرانها ستتلامس. اذاً تقتضي فكرة ديكارت الأولى بأنه لا يمكن أن يوجد فراغ بين الأجسام في الفضاء. أي أن الكون ممتلئ بمادة لطيفة (الأثير) تملئ كل الفراغات.

كيف يفسر ديكارت الجاذبية؟

الدوامات الديكارتية

تخلق الشمس دوامة من ذلك الأثير عند دورانها حول نفسها. هذه الدوامة التي توجد الشمس في مركزها تتحرك أجزاؤها القريبة من الشمس بسرعة أكبر من سرعة الأجزاء البعيدة وأن كل الكواكب (بما في ذلك الأرض) تبقى دائما مستقرة في مسارها بين أجزاء مادة السماء تلك.

أما الأجسام الثقيلة فيجب أن تسقط, وستسقط بسبب الضغط النزولي الناتج عن الدوامة. سمحت نظرية الدوامة لديكارت بتأييد شكل من أشكال الكوبرنيكية (أي, عالم محوره الشمس) دون أن تتعارض مع رقابة الكنيسة.

بما أن الحركة المزعومة للأرض كانت أحد اعتراضات الكنيسة الرئيسية على علم غاليليو. كان ديكارت يأمل في تجنب هذا الإعتراض عن طريق وضع الأرض في حالة سكون داخل نطاق دوامة تدور حول الشمس. بحيث لا تخضع الأرض لتغيير في المكان بالنسبة للسطح المحتوي لجزيئات المواد المجاورة في نطاقها الدوامي.

من خلال هذه المناورة البارعة, تمكن ديكارت بعد ذلك من الادعاء بأن الأرض لا تتحرك – من خلال تعريفه للمكان والحركة – ومع ذلك حافظ على فرضية كوبرنيكوس بأن الأرض تدور حول الشمس.

“الأرض ، بالمعنى الصحيح ، لم تتحرك, ولا أي من الكواكب. على الرغم من أنها تحملها السماء”.

فشل نظرية دوامة ديكارت.

على المدى الطويل, فشلت نظرية دوامة ديكارت لسببين أساسيين:

  • السبب الأول.

لم يطور ديكارت ولا أتباعه معالجة رياضية منهجية لنظرية الدوامة يمكن أن تتطابق مع الدقة والنطاق التنبئي للنظرية النيوتونية (التي تتحسن باستمرار).

وقد كان أيضا لدى نيوتن أشكالات على النظرية لم يستطع أتباع ديكارت الرد عليه. لأن السحب ( مقاومة المائع، أو الإعاقة) يجب أن يؤدي إلى انحرافات ملحوظة من المدارات وهذا لم يلاحظ.

مشكلة أخرى ذات أهمية كبرى هي أن الأقمار غالبا ما تتحرك في اتجاهات مختلفة في الفضاء, ضد اتجاه حركة الدوامة التي افترضها ديكارت كمسببة لمسارات الحركة.

  • السبب الثاني.

كان هنالك العديد من المحاولات التي قام بها فلاسفة الطبيعة الديكارتيون لاختبار أفكار ديكارت المختلفة حول ديناميكيات الجسيمات المتحركة دائريًا. (على سبيل المثال ، باستخدام براميل دوارة كبيرة مليئة بجزيئات صغيرة) لم تفي بالتنبؤات المتقدمة.

الكاتب:

وهيب عبد الوهاب العرشي

الهندسة الكهربائية

صنعاء – اليمن

[email protected]

مرتبط بـ(وهيب العرشي): نظرية الكون الداخلي لتفسير الطاقة المظلمة. هل تحل مشاكل نظرية الإنفجار العظيم؟

المصادر:

[1] ديكارت,رينيه – كتاب العالم – خوري, إميل – دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع – 1999.

[2] Plato.Stanford.edu – Descartes Physics

[3] Vanderbilt.edu – Renes Descartes