كتبها: سارة سعيد
رحلتي مع أبي في تعلقي بالقراءة.
“القراءة غذاء الروح” حكمة كانت بالنسبة لي مجرد حكمة أراها في كتاب اللغة العربية المدرسي أو أكتب مثلها في كتاب التدريب على الخط العربي.
ففي صغري لم تكن المتعة في قراءتي للكتاب فأنا لم أعي معنى وأهمية القراءة في هذا العمر ولكن المتعة كانت في جلوسي إلى جانب والدي ممسكاً الكتاب الذي ما إن يفتحه حتى يفتح معه عالما مليئاً بالشخصيات والبلدان والأحداث التي كانت تأخذني بعيدا سارحة في زمان ومكان من صنع صوت أبي وهو يقص عليا الحكاية مع الصور التي أراها في صفحات الكتاب لأسقط بعدها في نوم عميق ليزورني في بعض أحلامي هؤلاء الذين حكى لي عنهم أبي وأجدني في أحلام أخرى بطلة إحدى القصص .
لم يكن يمرر أبي فرصة مرورنا على إحدى المكتبات حتي ليبتاع لى قصة. لا أتذكر ما هي ولم يكن يشغلني الاختيار ولكني كنت أنتظر أن تأتي اللحظة التي أستكشف فيها الأحداث وأرسم بخيالي ملامح الشخصيات.
وحين كبرت بضعة أعوام وتعلمت كيف أقرأ بدأ أبي يشتري لي سلاسل قصص وروايات الجيب الصغيرة الشهيرة في حينها والتي شكلت وجدان وفكر وخيال أجيال عديدة لسنوات طويلة.
مثل سلسلة روايات الرجل المستحيل للكاتب أدهم صبري وسلسلة روايات ما وراء الطبيعة للدكتور أحمد خالد توفيق وسلسلة ألغاز المغامرون الخمسة للكاتب محمود سالم والتي انجذبت إليها حينما اخبرني أبي أنه قرأها في صغره.
القراءة غذاء الروح.
في هذه المرحلة بدأت أعي أن القراءة حقا هي غذاء الروح فقد أثرت روحي ووسعت مداركي وروت خيالي بما لم أتخيل معرفته أو رؤيته إن لم أكن أقرأ. فبدون القراءة وفي سني الصغير الذي أرتاد فيه أماكن محدودة استطعت أن أذهب بعيدا مع شخصيات هذه الروايات.
أنفعل معهم وأخاف أن يصيبهم مكروه ويثار فضولي لمعرفة ما سوف تنتهي به القصه وكأنها قصتي وتجربتي وكأنهم أصدقائي وأنا واحدة منهم.
ففي بعض الأيام ما كنت أستطيع النوم قبل أن أكمل القصة حتى ينعكس على صفحاتها أشعة شمس النهار الجديد. الذي أتى خلسة وأنا هائمة بين صفحات روايتي من الليلة السابقة.
وبمرور الوقت أصبحت هوايتى أن أدخر أموالى وأرتاد معرض الكتاب السنوي لشراء الكتب. سواء الروايات الأدبية للعظماء نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي. أو الكتب المعلوماتية التي دارت بي في جولات حول العالم لأتعرف على أجناس مختلفة وعادات غريبة وأحداث تاريخية مضت منذ قرون.
وعندما صرت على اعتاب الأمومة نويت بصدق أن أسير على نهج أبي مع أولادي في إكسابهم هواية القراءة.
إقرأ أيضاً… ما هي الديسلكسيا “عسر القراءة” وهل يوجد حلول لها؟
كيف يرى هذا الجيل القراءة؟
ها أنا اليوم أم لطفل ينمو في عالم تحيط به التكنولوجيا من كل اتجاه وتسيطر عليه وسائل التواصل الاجتماعي. وأنشغل في كيفية إكسابه مهارة القراءة وجذبه لها لأني عشقتها واستمتعت حقا بها بما لا يوصف الا بالتجربة.
وفي حديثي مع أحد أبناء العائلة البالغ 10 سنوات فقد قال “بنقرة واحدة يمكنني مشاهدة فيديو عن هذا الموضوع وذاك الحدث. فلماذا قد أهتم بمطالعة الكتب والمضي ساعات في قراءتها وفي دقائق يمكنني الوصول إلى المعلومة المطلوبة؟”
وجهة نظره شغلتني كثيرا في تحول مفهوم القراءة عند الأطفال. فهي للغالبية الآن مجرد وسيلة صعبه تكسبني معلومة أستطيع الحصول عليها بوسائل أخرى أسهل وأسرع. فقد غاب عنهم كونها هواية ومتعة ومهارة أثمن من أن تندثر أمام أجهزة اللاب توب والموبايل.
القصة هي مفتاح حب الأطفال للقراءة.
وهنا فكرت في أن إكتساب إبني لمهارة القراءة لا تزال تحت سيطرتي بعيداً عن سلطة التكنولوجيا ويجب أن أنميها وأحببه فيها ليجد بها ما لا يستطيع استبداله بغيرها.
وحيث أنه لايزال في أولى سنوات عمره فقد قررت الاعتماد على القصة لأخطو به في عالم من الأحداث والشخصيات يغرق في تفاصيلها ويحبها ويستمتع بزيارتها. وذلك بالمواظبة على القراءة له في السرير قبل النوم لتكون عادة يومية حتى وإن كان عمره لا يسمح بإدراك القصة كاملة. فكما قال ألبرت أينشتاين
” إذا كنت تريد لأطفالك أن يكونوا أذكياء، فاقرأ لهم الحكايات. وإذا كنت تريد لهم أن يكونوا أكثر ذكاء، اقرأ لهم المزيد من الحكايات “
إقرأ أيضاً… 10 خطوات بسيطة تساعد على تعليم الطفل القراءة في المنزل.
أهمية قراءة القصص للأطفال.
لم يكن ألبرت أينشتين فقط هو من تحدث عن أهمية القراءة. ولكن العديد من العلماء والأدباء والأطباء أشاروا إلى أهمية قراءة القصص للطفل وتأثيرها الإيجابي على الذكاء وتنمية الخيال والإبداع:
- تدربه على الاستماع الجيد والتركيز مما له أثر على تركيزه فيما بعد أثناء الدراسة لأنه سيربط بين التركيز والاستماع الجيد والوصول الى المعلومة الكاملة والصحيحة.
- تثير فضوله وتنمي مهاراته الإبداعية وقدرته على التخيل. وتكسبه معلومات تخلق منه شخص مبتكر ذو خيال واسع لديه روح الجرأة، والقدرة على اتخاذ القرارات.
- توطد العلاقة بينه وبين أبويه لأنه يرى أحدهم يترك مشاغله. ويخصص وقت ثابت يومي ليقرأ له مما يعطيه إحساس صادق بأهميته وأنه أولوية حقيقية مما يؤثر إيجابيا على ثقته بنفسه.
- تحسن التواصل مع الآخرين لأن الطفل يتعرض من خلال القصص لحكايات ومشاعر وانفعالات مختلفة كالغضب والحزن والندم والفرح والانتصار. مما يقوده لمناقشة ما عرف مع من حوله.
- توصل ما تريد زرعه في نفس ابنك من مبادئ وقيم بشكل غير مباشر لأنه ما إن يتأثر ببطل الحكاية فإنه يقتضي به. ويفعل مثله خاصة إذا كانت النتيجة ونهاية القصة تروق له ومع الوقت يكون قادرا على التفريق بين الصفات الفضيلة. كالصدق والإيثار والكرم والصفات الذميمة كالكذب والحقد والأنانية لأنه فهم نتائجهم من خلال أبطال الحكايات التي يسمعها.
- تعزز مهارة القراءة والكتابة لديه فيما بعد لاكتسابه مفردات وكلمات جديدة ومفردات تطور مهاراته اللغوية. كما تجعله يألف الحروف ويربط بين شكلها وصوتها فتنمي ثروته اللغوية، وتجعله أكثر قدرة على التعبير عن نفسه.
- تنمي قدرته على التفكير والتأمل والتحليل والنقد في المراحل اللاحقة من حياته فيتمرن على الفهم والتفكير المنطقي والاستنتاج. لأنه وبشكل تلقائي سيلاحظ التفاصيل وسيركز مع مسببات الأفعال ومبررات الأحداث وما إذا كانت النهاية منطقية ومناسبة من وجهة نظره أم لا.
- تساعد على استرخائه والتقليل من توتره قبل النوم وتمحي أثر المواقف الصعبة خلال يومه.
ما هي أنواع القصص؟
وللوصول إلى هدفي كان يجب أن أعرف أنواع القصص المناسبة لعمره والتي تجذب انتباهه وتركيزه:
- قصص المغامرات التي تدخل شخصية البطل في أحداث يختبر بها مبادئه وتعرض إنجاز له، ويتخذه الطفل قدوة له في تصرفاته.
- القصص الدينية التي تحكي عن الأنبياء والصحابة وتفسر آيات القرءان بشكل غير مباشر.
- القصص التاريخية التي تحكي أحداث حقيقية بشكل مبسط للأطفال.
- قصص الخيال العلمي والأساطير التي تجذب الطفل وتثير فضوله.
- قصص الحيوانات التي تعتمد على الحيوانات كأبطال لها وهو من أفضل الأنواع للأطفال.
المصادر: