من أشهر النظريات التي تشرح كيفية بداية الكون هي نظرية الإنفجار العظيم, لكن قد تساهم نظرية تم طرحها حديثاً في تغيير مفهومنا حول كيفية نشأة الكون, وهي “نظرية الكون الداخلي لتفسير الطاقة المظلمة”.
تقترح هذه النظرية نموذجاً جديداً لبداية نشأة الكون, فقد تكون بداية الكون هي عبارة عن تسرب, وليست انفجاراً عظيماً كما نعرف.
تم نشر هذه النظرية من قبل وهيب العرشي وآخرون, في المجلة الدولية للفيزياء النظرية الحديثة, واذا كانت هذه النظرية صحيحة, فسوف تشرح أكثر الظواهر غموضاً في الكون : الطاقة المظلمة.
المحتويات:
2. نظرية الكون الداخلي لتفسير الطاقة المظلمة.
3. نظرية الكون الداخلي والتفرد.
1. نشأة الكون عبر التاريخ.
تاريخ قصص الكون ونظرياته على أشكالها المتعددة هو تاريخ جدل وسجال. منذ زمن بعيد جداً، حوالي 340 ق. م. في كتابه الذي كان بإسم “الفيزياء” كتب أرسطو أنه من الضروري التفريق بين السماء والأرض، ففي السماء يتكون كل شيء من مادة بلورية تتحرك في حركة دائرية وتدور للأبد حول الأرض.
كان أرسطو يعتقد أن الكون أزلي، وأن الأرض ثابتة وتقع في مركز الكون، وأن الكواكب والنجوم تتحرك في أفلاك دائرية حول الأرض.
طرح القديس أوغسطين في كتابه “مدينة الله” حجة بأن الكون قد لا يكون أزلي. فقد أشار إلى أن الحضارة تتقدم، ونحن نتذكر القدماء الذين دفعوا الحضارة للأمام. هكذا هو حال الإنسان وربما حتى الكون، ليس لهم وجود أزلي.
فلو كنا أزليين فعلً لكنا اليوم أكثر تقدماً في حضارتنا مما نحن عليه. لم يقبل الفلاسفة اليونانيين التأثر بفكرة أرسطو بأن للكون بداية. لقد ردوا على حجة أوغسطين بقولهم أن هناك فيضانات دورية أو كوارث أخرى تحدث مراراً وتكراراً. مما يجعل الجنس البشري يعود دائماً إلى نقطة بداية الحضارة.
عندما كان معظم الناس, ومن ضمنهم أينشتاين, يؤمنون بكون هو في جوهره استاتيكي وغير متغير. فإن مسألة إذا ما كانت له بداية أو لم تكن، كانت في الواقع مسألة ميتافيزيقية أو لاهوتية.
نظرية الإنفجار العظيم.
قام إدوين هابل في عام 1929 بإجراء رصد بالغ الأهمية. فحيثما وجهت بصرك، تجد المجرات البعيدة تتحرك بسرعة مبتعدة عنا. وبكلمات أخرى فإن الكون يتمدد.
وهذا يعني أن الأجرام السماوية كانت قريبة جداً من بعضها البعض فيما مضى. في الواقع، بدر أنه في وقت ما في الماضي كانت كل الأجرام السماوية تقع في نقطة صغيرة واحدة.
إقترحت نظرية الانفجار العظيم أن الكون كان في بدايته منكمشاً في نقطة واحدة. وأن انفجاراً هائلاً حدث في اللحظة الأولى, وجعل الكون يبدأ في التمدد.
كانت هذه أول مرة تطرح فيها فرضية أن للكون بداية. منذ هابل، كان علماء الكونيات بناء على فرضيات نظرية الانفجار العظيم يتوقعون بان الكون سيبطئ تمدده ويعود للإنكماش على نفسة بسبب الجاذبية
لكن حدثت المفاجأة غير المتوقعة عندما تبين أن سرعة تمدد الكون تزداد بمرور الوقت وليس كما هو متوقع. قام فريق High-Z Supernova ، في عام 1998، ومشروع علم الكونيات بنشر ملاحظاتهم، والتي كشفت ان المجرات تبتعد عن بعضها بسرعة متزايدة.
يُطلق على مصدر الطاقة المسببة لهذا التسارع اسم الطاقة المظلمة. في العقود التي انقضت منذ اكتشافها, ساهمت الطاقة المظلمة في ولادة العديد من النظريات, لكن لم يفسر أي منها هذه الظاهرة بشكل مرضٍ.
إقرأ أيضاً… هل يوجد كائنات فضائية في هذا الكون الواسع؟ وأين يمكن أن نجدها؟
2. نظرية الكون الداخلي لتفسير الطاقة المظلمة.
تقول نظرية الكون الداخلي لتفسير الطاقة المظلمة أن “النقطة الصغيرة التي كان عليها الكون في بدايته لم يحدث لها انفجار, وإنما حدث لها تسرب, فعندما نعيد بداية الكون إلى تسرب تظهر لنا نتائج رائعة جدا تستطيع ان تحل المشكلات التي ظهرت في نظرية الانفجار العظيم.”
في البداية أدى تسرب الطاقة (الطاقة المظلمة) من الكون الداخلي إلى خلق كون آخر (وهو كوننا الحالي) بجانب الكون الداخلي (النقطة الصغيرة).
ونتيجة لهذا التسرب زادت سرعة دوران الكون الداخلي حول نفسه في نقطة ثابتة, وبسبب عدم الإحتكاك والمقاومة, تؤدي زيادة الدوران إلى زيادة تسرب الطاقة المظلمة (على شكل موجات تقوم بدفع المجرات للتباعد).
ويؤدي هذا التسرب إلى انخفاض الطاقة من المركز, وبالتالي التسبب بانخفاض في كتلته. وانخفاض كتلته يؤدي إلى مزيد من الدوران, والمزيد من الدوران يؤدي إلى بث طاقة أكبر إلى المحيط الخارجي وما إلى ذلك.
مما يتسبب في زيادة المحيط الخارجي، فيؤدي إلى زيادة تمدد الكون وزياده تسارع تباعد المجرات التي عليه. مما يقود إلى استنتاج علاقة تناسب طردية بين تسارع تمدد الكون الخارجي وزيادة دوران الكون الداخلي حول نفسه في نقطة ثابتة. لينتج بذلك قانون جديد لتسارع توسع الكون:
“يتناسب تسارع توسع الكون تناسباً طردياً مع زياده دوران الكون الداخلي حول نفسه في نقطة ثابتة.”
3. نظرية الكون الداخلي والتفرد Singularity.
تدعي النظرية المقترحة “نظرية الكون الداخلي لتفسير الطاقة المظلمة“, بأن نموذجها لا تظهر فيه الفردانية والتي تمثل مشكلة في بداية الانفجار العظيم.
تقول النظرية بأنه بعد التسرب يصبح لدينا كونيين ومكانيين, وليس مكاناً واحداً يتمدد. الكون الداخلي لدية مكانه الخاص به وهو بعد آخر( البعد الخامس), ويظهر لنا أثره فقط عبر تدفق الطاقة المظلمة منه.
أي ان الطاقة المظلمة ليست مخلوقة من العدم, بل هي عبارة عن تدفق للطاقة من (البعد الخامس) إلى بعد آخر وهو كوننا. فنحن نشعر بأثار ذلك البعد الخامس في عمليه تسارع توسع الكون ولكننا لا نراه بل نرصد أثره فقط.
بالتالي, فالطاقة المظلمة لا تتقلص بمرور الوقت وهذا ما يتفق مع الملاحظات. ومع ذلك, فإن النظرية تطبق تنسور جديد (new tensor) يسمح بتدفق الطاقة المظلمة من الكون الداخلي في البعد الخامس الى الكون الخارجي على شكل موجات مسببة ظاهرة تسارع تمدد الكون. بالتالي لا وجود أساسا للمتفردة في بداية الكون, والطاقة المظلمة ماهي إلا تدفق من بعد جديد.
إقرأ أيضاً… ما هو الثقب الأسود؟ وكيف يتشكل؟
4. تفسير مشكلة الأفق.
كما قام البحث بوضع إطار علمي نظري يحل فيها إشكالية علمية وهي مشكله الأفق. لا تظهر مشكله الأفق في نموذج الكون الداخلي. حيث أنه من المعروف بأن مشكله الأفق تعني وجود مناطق في الكون من الإستحالة أن تتوحد خواصها الفيزيائية.
فبحسب نظرية الإنفجار العظيم, كانت سرعة تمدد الكون في بداياته تتجاوز سرعه الضوء, مما خلق مناطق في الكون منفصله عن بعضها البعض بمسافة تتجاوز عمر الكون نفسه، فلا يستطيع الضوء السفر من تلك المنطقة للمناطق الأخرى.
وتنص النسبية الخاصة بأن أقصى سرعه لنقل معلومة لا يمكن أن تتجاوز الضوء. إذاً كيف توحدت خواص الكون ووصل إلينا إشعاع الخلفية الكونية من جميع الإتجاهات بدرجه حرارة 2.725 درجة كلفن؟
نموذج الكون الداخلي يعطي الوقت الكافي لتشكل المادة وفق ظروف واحدة, حيث أن آلية التسرب بينت ان الكون بدأ بتسارع بطيء يتدرج مع الوقت. وفي تلك الفترة تمكنت المادة من التشكل وفق ظروف فيزيائية واحدة.
قدمت الورقة البحثية لادعائها تنبؤات علمية قابله للرصد لتثبت صحتها او دحضها. كما تركز الورقة بشكل اساسي على الطاقة المظلمة. وتحتاج إلى مزيد من التعديلات والتوضيحات والتجارب لصياغة ودعم النظرية المقترحة.
المصدر:
[1] The Inner Universe Theory of Dark Energy Interpretation, Wahib Al-Arashi, Mohammed Gumaan, Waled Hussein Al-Arashi, Arslan Ahmed. 2021 ملخص عن ورقة بحثية بتصرف.