من أكثر النظريات البيولوجية المثيرة للجدل هي نظرية داروين للتطور والإنتخاب الطبيعي, فما هي هذه النظرية؟ وماذا كان يقصد داروين بها؟
المحتويات:
1. ما هو التطور؟
الفكرة الأساسية للتطور البيولوجي هي أن مجموعات وأنواع الكائنات الحية تتغير بمرور الوقت. وفي أيامنا هذه, عند الحديث عن مفهوم تطور الكائنات الحية, عادة ما نربط بين هذا المفهوم وعالم الطبيعة البريطاني تشارلز داروين Charles Darwin.
في خمسينيات القرن التاسع عشر, كتب داروين كتاباً مثيراً للجدل بعنوان “أصل الأنواع”. واقترح في كتابه أن أنواع الكائنات الحية المختلفة تتطور, أو على حد تعبيره “تخضع للهبوط مع التعديل”. كما اقترح داروين أن جميع الكائنات الحية يمكن تتبّع إصلها إلى سلف واحد مشترك.
كما اقترح داروين آلية للتطور وهي الإنتقاء الطبيعي, حيث تصبح السمات الوراثية التي تساعد الكائنات الحية على البقاء أو التكاثر أكثر شيوعاً بمرور الوقت.
2. داروين ورحلة بيغل.
تحدث داروين في كتابه “أصل الأنواع” عن أفكاره حول التطور والإنتقاء الطبيعي. استندت هذه الأفكار إلى حد كبير على الملاحظات المباشرة من رحلاته حول العالم.
ما بين الأعوام 1831 إلى 1836, كانت رحلة داروين جزءاً من رحلة استكشافية قامت بها السفينة بيغل Beagle. والتي تضمنت التوقف في أمريكا الجنوبية واستراليا والمناطق الجنوبية من أفريقيا. في كل محطة من توقف هذه البعثة, أتحيت الفرصة لداروين لدراسة النباتات والحيوانات المحلية وتصنيفها. وخلال رحلاته, بدأ داروين في رؤية أنماط مثيرة للإهتمام في خصائص الكائنات الحية.
ويمكن أن نرى بعض أهم الأنماط التي لاحظها داروين في خصائص الكائنات الحية من خلال البحث في ملاحظاته لجزر غالاباغوس Galápagos التي تقع قبالة سواحل الإكوادور[1].
داروين وجزر غالاباغوس.
وجد داروين أن الجزر القريبة في جزر غالاباغوس تحتوي على أنواع متشابهة ولكن غير متطابقة من العصافير التي تعيش عليها. كما أنه أشار إلى أن كل نوع من أنواع العصافير مناسب تماماً لبيئته التي يعيش فيها.
فعلى سبيل المثال, تميل أنواع العصافير التي تأكل البذور كبيرة الحجم إلى امتلاك مناقير كبيرة وقاسية، بينما الأنواع التي تأكل الحشرات لها مناقير رفيعة وحادة.
كما لاحظ ان العصافير والحيوانات الأخرى التي تعيش في جزيرة غالاباغوس كانت متشابهة مع تلك الموجودة في البر الرئيسي الموجود في الإكوادور، لكنها مختلفة عن الأنواع التي تعيش في الأجزاء الأخرى من العالم.
لم يتمكن داروين من ادراك كل هذه الأمور خلال رحلته، ولم يدرك أن جميع العصافير التي وجدها في الجزيرة مرتبطة ببعض الأنواع الأخرى لكنها تتميز عنها ببعض الخصائص إلا بعد عدة سنوات عندما عرض اكتشافات على عالم طيور.
وفقاً لفكرة داروين، سيكون هذا الأمر منطقياً إذا كانت جزر غالاباغوس مأهولة منذ فترة طويلة بطيور من البر الرئيسي المجاور لها في الإكوادور. وفي كل جزيرة، ربما تكيفت الطيور بشكل تدريجي مع الظروف المحيطة بها. وذلك على مدى أجيال عديدة وفترات زمنية طويلة.
يمكن لهذه العملية أن تؤدي إلى تكوين نوع أو أكثر من أنواع الطيور المميزة في كل جزيرة. لكن إذا كانت هذه الفكرة صحيحة، فكيف حدث هذا الأمر؟ وكيف تكيفت كل مجموعة من العصافير مع بيئتها، وكيف اكتسبت الميزات المناسبة لمكان عيشها؟
قام داروين بوصف جميع هذه الأمور والأفكار في كتابه “أصل الأنواع” حيث أوجز فكرته الرئيسية، التطور والانتخاب الطبيعي. ويحتوي على الشرح الكامل لنظرية داروين للتطور والانتخاب الطبيعي.
3. داروين والتطور.
اقترح داروين أن الأنواع يمكن أن تتغير بمرور الوقت, وأن الأنواع الجديدة تأتي من أنواع موجودة مسبقاً. وأن جميع الأنواع تشترك في سلف مشترك.
في نموذج داروين, لكل نوع مجموعته الفريدة من الاختلافات الجينية القابلة للتوريث عن السلف المشترك. والتي تراكمت بشكل تدريجي على مدى فترات زمنية طولية جداً.
أحداث التفرع المتكررة التي تنفصل فيها الأنواع الجديدة عن السلف المشترك نتتج شجرة متعددة المستويات تربط جميع الكائنات الحية. واليوم تسمى بالتطور[2].
إقرأ أيضاً… ماذا سيحدث في حال إصطدام نيزك بكوكب الأرض ؟
4. الانتخاب الطبيعي.
لم يقترح داروين فقط أن الكائنات الحية تطورت, لكنه اقترح أيضاً آليه للتطور, وهي الانتخاب الطبيعي. كانت هذه الآلية منطقية, وقد أوضحت كيف يمكن للمجموعات أن تتطور بطريقة تجعلها ملائمة لبيئتها بشكل أفضل مع مرور الوقت.
اعتمد مفهوم داروين عن الانتخاب الطبيعي على عدة ملاحظات رئيسية[3]:
- غالباً ما تكون السمات موروثة. يوجد في الكائنات الحية العديد من الخصائص الموروثة, أو التي تنتقل من الأباء إلى الأبناء. عرف داروين أن هذا هو ما يحدث, على الرغم من أنه لم يكن يعلم أن السمات موروثة عن طريق الجينات.
- يتم إنتاج نسل أكثر مما يمكنه البقاء على قيد الحياة. الكائنات الحية قادرة على إنتاج نسل أكثر مما يمكن أن تدعمه بيئاتها. وبالتالي, هناك منافسة على الموارد المحدودة في كل جيل.
- تتفاوت الأبناء في صفاتهم الوراثية. سيكون النسل في أي جيل مختلفاً قليلاً عن بعضهم البعض في سماتهم, مثل اللون والحجم والشكل وغيرها. وستكون العديد من هذه الصفات قابلة للتوريث.
بناءً على هذه الملاحظات البسيطة, توصّل داروين إلى ما يلي:
- في مجتمع ما, سيكون لدى بعض الأفراد سمات موروثة تساعدهم على البقاء والتكاثر, وذلك بناء على الظروف البيئية المحيطة مثل الحيوانات المفترسة ومصادر الطعام المتاحة. سيترك الأفراد ذوو السمات المفيدة ذرية في الجيل التالي أكثر من أقرانهم, لأن السمات تجعلهم أكثر فاعلية في قدرتهم على البقاء والتكاثر.
- نظراً لأن الصفات المفيدة قابلة للتوريث, ولأن الكائنات الحية التي تحمل هذه السمات تترك ذرية أكثر. فإن السمات ستميل إلى أن تصبح أكثر شيوعاً في الجيل التالي.
- على مر الأجيال, سوف يتكيّف السكان مع بيئتهم, حيث أن الأفراد الذين يتمتعون بصفات مفيدة في تلك البيئة يحققون باستمرار نجاحاً إنجابياً أكبر من أقرانهم.
كيف يعمل الانتخاب الطبيعي؟
لتبسيط عملية الانتخاب الطبيعي, سنطرح مثالاً مبسطاً. لنفترض أن مجموعة من الفئران انتقلت إلى منطقة جديدة حيث تكون الصخور فيها سوداء. مع العلم أن الفئران مختلفة وراثياً في لون الفراء, الأسود والأبيض.
تتميز هذه المنطقة بتواجد الصقور التي تأكل الفئران, وتستطيع هذه الصقور رؤية الفئران البيضاء بسهولة, بينما لا تستطيع رؤية الفئران السوداء بسهولة بسبب تشابه لونها مع لون الصخور. كنتيجة لهذا الأمر, سيتم القضاء على عدد أكبر من الفئران البيضاء, والقضاء على عدد أقل من الفئران السوداء. وستصبح نسبة الفئران السوداء أكبر من الفئران البيضاء.
يعتبر لون الفراء من السمات الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء, لذا فإن النسبة المتزايدة من الفئران السوداء في المجموعة الباقية تعني زيادة نسبة الفئران السوداء الصغيرة في الجيل التالي. وبعد عدة أجيال من الاختيار, قد تجد أن جميع الفئران الموجودة هي ذات لون الفراء الأسود. وهذا التغيير في السمات الوراثية هو مثال على نظرية داروين للتطور.
المصادر:
[1] What is evolution – YourGnome.com